اتصل بنا
 

مصلح الطراونة نائب يطارد خيط دخان الفساد

للتواصل مع الكاتب:

نيسان ـ نشر في 2018-07-30 الساعة 20:02

x
نيسان ـ

محمد قبيلات

ملف أردني حساس قد يطيح بـ 'رؤوس كبيرة'

ألقت الأجهزة الأمنية الأردنية القبض على ابن المشتبه به الرئيسي في قضية “مصنع الدخان” التي شغلت الرأي العام خلال الأيام الماضية. ونقلت المصادر أن الأجهزة الأمنية ضبطت ابن المشتبه به، وأن عدد الذين تم إلقاء القبض عليهم بلغ ستة عشر مشتبهاً به.

وقد انشغل الشارع الأردني خلال الأيام الماضية بالحملة الأمنية المرافقة لما عرف بقضية مصنع الدخان إذ هو مصنع غير مرخص ينتج السجائر ويزور لها ماركات عالمية. وتتهم التقارير رجل الأعمال الأردني عوني مطيع بكونه مسؤولا عن التهريب والتزوير.

النائب الأردني مصلح الطراونة نقل نقاشات مجلس النواب الأردني للبيان الوزاري الذي قدمته حكومة عمر الرزاز، مؤخراً، إلى مستوى آخر من التوتر في البرلمان وفي المشهد السياسي الأردني، وذلك بتحديه الرئيس وحكومته أن يُلقي القبض على مطيع الذي يعمل في تجارة وصناعة الدخان والذي مارس بالتواطؤ مع مسؤولين حكوميين عمليات فساد كبيرة.

وسرعان ما انتقل الموضوع إلى الشارع الجاهز أصلا لتلقف أي مسألة جديدة، لتكون دعامة إضافية لحالة عدم الثقة بأداء المؤسسات الرسمية والقائمين عليها من مسؤولين حكوميين.

رئيس الوزراء بدوره أكّد خلال ردّه على نقاشات النوّاب للبيان الوزاري، أهمية القضيّة التي أُثيرت تحت القبّة، والمتعلّقة بوجود مواقع تنتج مادّة الدخان بشكل غير قانوني، وأنه تمّ رصد المواقع المشتبه بها، ودهمها، ومصادرة عدّة حاويات محمّلة بالتبغ، كما تمّ ضبط ماكينات لتصنيع الدخان، وما زالت لجان الجرد والتدقيق تعمل في الموقع بإشراف الأجهزة المختصّة.

الأطراف تحارب المركز

أسلوب الطراونة في البرلمان ينعكس بطرحه للملفات الصعبة، فهو من النواب الذين حجبوا الثقة عن حكومة الرزاز، وقد فجر قنبلة 'الدخان' في وجه الأخير أثناء جلسة الثقة، رغم تلقيه تهديدات هاتفية عديدة.

المفاجأة في القصة أن المتهم الرئيسي في القضية غادر البلاد إلى بيروت ليلة دهم الجهات المختصة لبعض المواقع التابعة لشركاته، ما فتح جدالات كثيرة ينطوي بعضها على اتهام للأجهزة التنفيذية بالتقصير وتسريب معلومات عن الحملة التفتيشية قبل وقوعها، ما جعل المتهم يغادر البلاد ويفلت من الإجراءات التي كان من المفترض أن تطبّق عليه والتي من ضمنها منع السفر على الأقل.

مصلح الطراونة من مواليد عام 1971، فاز بعضوية البرلمان الأردني الثامن عشر عن محافظة الكرك، حصل على شهادة الدكتوراه والماجستير من جامعة أبردين الاسكتلندية، وهي خامس أقدم جامعة في المملكة المتحدة، وجعلتها مرتبتها المتقدمة واحدة من أفضل جامعات العالم.

الطراونة الذي يدرّس في جامعة مؤتة الأردنية، ناصَر التحركات الأردنية المعارضة للحكومات منذ عام 2010، ومنذ دخوله مجلس النواب، قبل حوالي سنتين، تبنى خطابا نقديا للسياسات الحكومية والإدارات المتلاحقة التي لم تحسن توزيع الثروة والتنمية لتشمل المحافظات، بل تركزت في العاصمة وما حولها، ما تسبب في انخراط معظم أبناء الأطراف في الوظائف الحكومية المعروفة بدخلها المحدود.

وقد حمل منذ البداية ملفات صعبة في البرلمان، سواء في عهد حكومة الملقي أو في عهد الحكومة الحالية، فهو من النواب الذين حجبوا الثقة عن حكومة الرزاز، وفجر هذه القنبلة في وجه الحكومة أثناء جلسة الثقة، وحسب ما يُروى فقد تلقى تهديدات عبر اتصالات هاتفية، لكنها لم تثنه عن مواصلة الهجوم على المتهمين في القضية ومواصلة مطالبته الحكومة بالكشف عن المزيد من أسماء المتورطين فيها.

رغم ملحوظاته بخصوص حصر القضية بوصفها قضية مخالفات جمركية باعتبارها من القضايا الخطرة التي تمس الأمن الوطني، إلا أن ملامح خطاب الطراونة تبدو راضية عن أداء حكومة الرزاز في هذه القضية، وتدعم جهود الرئيس وفريقه، فهذه الحكومة غير مسؤولة بشكل مباشر عن المخالفات والاختراقات التي مارسها المتهمون، بل إن مسؤولية ذلك تقع على الحكومات السابقة، فعملُ ونشاطُ هذه الشركة يمتدان إلى عدة سنوات ماضية وفي عهد أكثر من حكومة سابقة.

لم يتوقف الطراونة عن العمل للكشف عن المخفي بانتهاء الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، بل إنه يواصل عبر وسائل الإعلام اللقاءات والتصريحات والكتابة في مجال القصة، وما زال ينبش في عشها غير خائف من أن تلسعه دبابيرها.

التبغ اختصاص محكمة أمن الدولة

المفاجأة في القصة أن المتهم الرئيسي في القضية غادر البلاد إلى بيروت ليلة دهم الجهات المختصة لبعض المواقع التابعة لشركاته

المفاجأة في القصة أن المتهم الرئيسي في القضية غادر البلاد إلى بيروت ليلة دهم الجهات المختصة لبعض المواقع التابعة لشركاته

رغم أن الفساد ظل الظاهرة المشتركة العابرة للحكومات، إلا أن من يسمون بـ “الديجاتل” حاولوا التنصل من المسؤولية في قضية مصنع الدخان المزور والتهرب الضريبي، التي أثارت الرأي العام في المملكة خلال الأيام الماضية، فشنوا حملات غير مدروسة، لإبعاد التهمة عن سياساتهم، مثل الهجوم غير الواضح المعالم على أنماط وتشكيلات اجتماعية مثل العشائرية ومحاولة تحميلها مسؤولية ظواهر الفساد، بحجة أن العشيرة تحمي أبناءها الفاسدين.

هذا ما استدعى استنفار القوى المحافظة لرد الهجمة التبريرية، بطرق مواربة أيضا، فقالوا إن هذه المصائب لم تكن لتقع في عهد الديناصورات، كناية عن عصر استلام المحافظين للحكومات، وأن كل ما يجري ما هو إلا نتاج للسياسات التي طبقتها مجموعات النيوليبرالية السياسية.

في هذه الأجواء راح المخيال الشعبي يتوسع في تصويره القصة إلى درجة أن الرسائل عبر الهواتف الخلوية لم تهدأ، وتم تبادل الأخبار والفيديوهات بشكل مكثف، مع انتشار أكثر من قائمة من المتهمين طالت أسماء سياسية وازنة، تم اتهامها بالاشتراك في عمليات الفساد المرتبطة بقصة مصنع الدخان.

وساهمت التصريحات الحكومية في توتير هذه الأجواء، ففي المؤتمرات الصحافية أوردت الناطقة الإعلامية للحكومة، الوزيرة جمانة غنيمات، العديد من التصريحات التي فتحت الأبواب على مصاريعها للتأويلات الشعبية، فقد قالت في لقاء خصت به تلفزيون “المملكة” إنها لا تستبعد أن تطيح فضيحة الدخان “رؤوسا كبيرة”.

أما رئيس الوزراء فقال إنه لن يتراجع عن المضي قدما في محاكمة الفاسدين وهو على استعداد لأن يكون انتحاريا وأنه مصر على نبش ملفات القضية والسير بها إلى النهاية.

أصدرت الحكومة بيانا أكدت فيه أنّه تبيّن لمدّعي عام الجمارك أنّ الأفعال المقترفة والمتعلقة بقضايا “الدخان” يدخل البعض منها ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة. وحيث أنّها جرائم بعضها متلازم مع بعض، فقد قرّر مدّعي عام الجمارك عدم اختصاصه، وإحالتها إلى مدّعي عام محكمة أمن الدولة، حيث ستتولّى النيابة العامّة التحقيق في هذه القضايا.

ويخضع التكييف القانوني الذي خلص إليه مدّعي عام الجمارك إلى قناعة بأنّ هذه القضايا تقع ضمن اختصاص مدّعي عام محكمة أمن الدولة الذي هو صاحب السلطة التقديريّة فيها، وبالنتيجة فإنّ التكييف القانوني يخضع لصلاحية محكمة أمن الدولة برقابة محكمة التمييز.

كما سبقت هذا القرار جدالات واسعة حول اختصاص محكمة الجمارك، شارك فيها قانونيون، من نواب ومحامين وقضاة متقاعدين، حول مدى اختصاص محكمة أمن الدولة في موضوع القضية. ورجحوا كفة المقترحات بتحويل القضية إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لتحقق فيها ومن ثم تقوم بتحويلها إلى النيابة العامة، لتحوّل بعد ذلك إلى محكمة الجزاء، وذلك للاشتباه بتورط مسؤولين إما مباشرة أو عن طريق التساهل والإهمال، وربما هناك ما هو أسوأ، فقد نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وثائق رسمية تثبت أنه كان للمتهم شركاء رسميون في رخص بعض شركاته.

كما تم تداول وثائق حول موافقة وزير المالية السابق، زهير ملحس، على تخفيض الغرامات المفروضة على أحد المصانع التابعة لرجل الأعمال ذاته، والتي بلغت نحو 155 مليون دينار أردني لتصبح فقط خمسة ملايين دينار أردني.

في هذه الأثناء، برز توجّه آخر يرجح أن القضية يجب أن تبقى في أروقة محكمة الجمارك كون الشبهات تتعلق بمخالفات جمركية وضريبية فقط، لكن جهات أخرى تأخذ على أصحاب هذا الرأي والآراء التي تؤيد تحويلها إلى محكمة أمن الدولة أن قرارات هذه المحاكم الخاصة لن تقبل تنفيذها الشرطة الدُّولية “الانتربول”.

بابلو أسكوبار الأردن

ونشرت في الصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأخبار التي تشتمل على صور وفيديوهات للمتهم الرئيسي في القضية، الهارب حتى هذه اللحظة من وجه العدالة، والذي شبهه بعض المتابعين بأسكوبار الكولمبي.

أوجه الشبه طبعا كثيرة، فهو أولا لا يملك رسميا هذه الشركات وإنما هي مسجلة بأسماء آخرين، فمن الناحية القانونية لا تستطيع الجهات الرسمية إثبات ملكيته لهذه المنشآت، وبالتالي لا تستطيع محاكمته. وثانيا هو يدير مجموعة كبيرة من الأشخاص المتنفذين حكوميا وشعبيا يمارس من خلالهم نشاطاته، وآخر أوجه الشبه بينه وبين أسكوبار الخدمات الاجتماعية للمناطق الأشد فقرا، فهو يدعم العديد من الجمعيات والمشروعات الخيرية في المناطق الفقيرة.

لقد أظهرت الفيديوهات مسؤولين حكوميين يرعون تدشين بعض هذه المشروعات الخيرية، وهذا ما وسع نطاق الشكوك في نفوذ الرجل واختراقه المستوى السياسي، لتأمين أعماله ونشاطاته غير المشروعة، والتي يعتقد أنها ضيعت على الخزينة المليارات من الدولارات.

نزاع هذه الشخصية الأول كان مع شركات عالمية، ومما يقال في هذا المجال أن شركة فيليب موريس رفعت ضده أكثر من قضية دولية تتعلق بتزوير بعض منتجاتها أو إنتاجها دون الحصول على إذنها، ومما يقال أن أعضاء في الكونغرس الأميركي طالبوا مرجعيات عليا بأن تسهل تنفيذ هذه الأحكام، بمعنى تسليمه للجهات القضائية التي أصدرت هذه الأحكام.

ومع ذلك يصر الطراونة والعديد من المتصدين لهذه القضية على أن الرجل أخطر مما يُتصَوَّر فهو يدير إمبراطورية كبيرة يمتد نشاطها إلى أكثر من بلد، وتشمل بولندا ورومانيا وباكستان وأفغانستان، ويملك مصانع عائمة في المياه الدُّولية.

ما حصل إلى حدود هذه اللحظة أن محكمة أمن الدولة باشرت التحقيق في قضية مصنع التبغ، بعد أن تسلمت ملفات القضية التي أحالها رئيس الوزراء الرزاز إلى محكمة أمن الدولة كجريمة اقتصادية.

وباشر فريق من مدعي عام محكمة أمن الدولة دراسة ملفات القضية ومرفقاتها والتحقيق مع المشتبه بهم، وهم أربعة عشر من قائمة تضم ثلاثين مطلوبا حتى الآن، فالعدد سواء من المتهمين أو من المقبوض عليهم مرشح للزيادة، على ذمة القضية التي كانت دائرة مكافحة التهريب الجمركي داهمت، في إطارها، ثلاثة مواقع في مناطق مختلفة، توجد داخلها مصانع تعمل على إنتاج الدخان بماركات مختلفة وبصورة غير قانونية.

ومن جانب آخر تتوالى التهديدات للنائب الطراونة، وقد أعلنت الناطقة باسم الحكومة أن الحكومة اتخذت تدابير أمنية تضمن حماية النائب من أي تهديدات.

الحكومة شكلت لجنة خاصة لمتابعة هذه القضية تتكون من مجموعة وزراء برئاسة الرزاز الذي قال إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني فوّض إليه مسألة محاربة الفساد.

ورغم أن الطراونة يشعر براحة الضمير الآن، إلا أنه يشعر بغصات مركبة بعضها بسبب الصمت الذي يكلل موقف الكثير من الشخصيات الوطنية، وعدم دعمه في معركته ضد عصابات الفساد ولو بكلمة، وغصات أخرى لعدم امتلاكه الأجوبة الشافية

على السؤال الكبير؛ كيف استطاعت هذه العصابة أن تواصل تهريبها وتهربها من دفع الضرائب منذ عام 2004؟ وكم ضيعت على خزينة الدولة من مليارات الدنانير؟ والأخطر من ذلك؛ كم من عصابة بهذا الحجم ما زلنا غافلين عنها؟

نيسان ـ نشر في 2018-07-30 الساعة 20:02

الكلمات الأكثر بحثاً