اتصل بنا
 

'الكتلة الحرجة' وتوهمات النخبة السياسية المتربللة

للتواصل مع الكاتب:

نيسان ـ نشر في 2019-07-15 الساعة 20:34

x
نيسان ـ ما زالت المدرسة الليبرالية تتحفنا، يوميا، بالكثير من القراءات الاجتماعية والسياسية السطحية، معتقدة أنها بمجرد أن تستخدم بعض مصطلحات الماركسية تستطبع أن تسحر الجماهير، وأن تجرها إلى مربعات ودوائر أوهامها ورغائبها، متجاهلة ما تمر به من حالات الوهن، نظريا ومنهجيا، وعدم قدرتها على فهم المرحلة التاريخية، أو تفسيرها علميا بناء على منهجيات التحليل المادي الصلب.
بداية، لا بد لنا من أن نقر بأن هذه النخب لا تمتلك الأدوات التحليلية الرصينة، أو القدرة على التنبؤ بمستقبل التحولات الاجتماعية، بل إنها تواظب على اختلاس وتحريف بعض الآليات والمصطلحات لتزين بها خطابها، وهي البعيدة كل البعد عن امتلاك منهجية علمية تمكنها من قراءة الواقع وتفكيك العوامل الرئيسية في التشكيلة الاجتماعية الراهنة، أو ما سبقها من تشكيلات تداخلت فيها كثير من العوامل والمتغيرات التي بنت البيئة الموضوعية الضاغطة على الظروف الذاتية؛ ما حرف النتيجة مسار العملية التاريخية عن مبتغاها، فلم تبلغ معها أيا من هذه التشكيلات أن تكون الناجزة المستقرة، وجعل أقوى التوصيفات وجاهة لها بأنها مراحل ما قبل الرأسمالية، أو ما يمكن أن يطلق عليه مرحلة الاتجاه نحو الرأسمالية.
إن استخدام تعبير (كتلة حرجة) كرديف مصغر، ومحرف للكتلة التاريخية يعد بحد ذاته أمرا مشكوكا بنجاعته، لأن الكتلة التاريخية وليدة مقدمات طويلة ومتعددة، ومناط بها عملية التغيير الذي يهيء لولوج تشكيلة اجتماعية جديدة، وليس مجرد تغيير النظم والادارات السياسية، وبالتالي تداول المناصب والتنفيعات، بل إنه تعبير ماركسي ربما يكون غرامشي أول من ابتدعه، ويستند إلى التحليل الطبقي والمادية التاريخية، لكن الليبرالي المترفع عن أدوات التحليل المادي يموه المسألة ليتسلخ أكثر ما يمكن من تهمة الماركسية، فيهرطق حتى لا يبقى متماسكا من مقالته سوى العنوان البرّاق ( الكتلة الحرجة) حيث نتفاجأ بالمتن مليئا بالمتناقضات رغم الزركشة الانشائية المبالغ بها.
فنجد الكاتب، مثلًا، تأخذه الحماسة في الجزء الثاني من المقالة إلى أن تبلغ به حد استنهاض القراء لتشكيل كتلتهم التاريخية الحرجة القادرة على إحداث التغيير، متجاهلا بذلك أن هذه الكتلة تنشأ ولا تُنشأ رغائبيا، بل إنها تتشكل ضمن الحلقات التاريخية الصراعية بين الطبقات، بعد نضوجها ذاتيا ضمن الظرف الموضوعي المناسب والمستوعب لعملية التغيير.
الحماسة وحدها لا تصنع شيئا، ولا تستطيع أن تحشد الكثير من الشرائح في جبهة متحدة على قاعدة الهموم السياسية الآنية فقط بينما مصالحها متناقضة، ولا تستطيع، حتى كليبرالي، أن تُنظّر للتحولات الاجتماعية والاقتصادية من دون أن تتكون لديك الفكرة الكاملة عن طبيعة هذه الشرائح ومصالحها، فالطبقات تتشكل وفقا لنمط الانتاج السائد، وحسب موقعها من ملكية وسائل الانتاج، وهذه هي الآلية التي تفرز الطبقات وبالتالي تكتلات المصالح الاجتماعية.
تحتم هذه الفرضية علينا أن نقرأ الواقع الاجتماعي وأن نوصِّف نمط الانتاج السائد في هذه المرحلة من عمر مجتمعاتنا، وللأسف لم تتحق، حتى هذه اللحظة، المعرفة التحليلية الدقيقة، وظلت التنظيرات تراوح بين وصف اقتصادياتنا بالتابعة أو المختلطة وأنماط الانتاج الكولنيالي، وكل هذه التنظيرات، للأسف، مجرد تعميمات لا تطابق الواقع ولا تفسره، وبالتالي لا نستطيع أن نبني عليها، ولا أن نتلمس الحلقات الأساسية في السلسلة التاريخية، ولا ان نتنبأ بالمستقبل.

نيسان ـ نشر في 2019-07-15 الساعة 20:34

الكلمات الأكثر بحثاً