اتصل بنا
 

شعرية الذات

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:50

الأمل في الحداثة دفعت الشعراء إلى البحث عن الذات في فضاءات مختلفة، ولكنها لم تنفصل عن الوعي الاجتماعي والثقافي والديني السائد. الشعر العربي تحول من صوت القبيلة إلى صوت الأيديولوجيا أو الوطن أو العقيدة الدينية، والنثر كان الأكثر ارتباطا بصوت الذات. التجربة الوجودية في الشعر العربي كانت مختلفة عن التجربة الغربية، وكانت تحت تأثير تجربة الآخر وتماهيا معها.
نيسان ـ

الشعر الذي يعد من أكثر الفنون ارتباطا بالذات وتعبيرا عنها، بقي على مدار مراحله المختلفة مرتبطا بالفضاء الجمعي منذ العصر الجاهلي. كان الشاعر صوت القبيلة، وفي العصر الحديث تحول إلى صوت الأيديولوجيا أو الوطن أو العقيدة الدينية.

لم تعرف الذات استقلالها، ولم تمتلك مغامرة البحث عن ذاتها خارج إطار هذا الوعي وارتهاناته الفكرية أو الدينية أو السياسية.

لم يكن الشاعر العربي في صورة هذا الوعي حالة استثنائية، لأن ذلك كان مرتبطا بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي السائد. في مواجهة مشروع الحداثة الذي كرس مفهوم الفرد في الحضارة الغربية، ظهر صوت إليوت في الشعر الغربي مناهضا للحداثة، عندما أكد أن خلاص الإنسان لا يتحقق إلا بالعودة إلى المسيحية. في الشعر العربي الحديث كان يوسف الخال هو المعادل الموضوعي لموقف إليوت في رؤيته لخلاص الذات الإنسانية.

الصوفية أيضا رأت أن خلاص الذات يتحقق من خلال التوحد مع الله، ولم تكن ترى وجودا له بمعزل عن الاتحاد به. إن هذا البحث عن الذات في فضاءات متعددة وكثيرة كان تعبيرا عن حالة وعي قلق وخارج حدود الذات. الحداثة الغربية التي مجدّت قيمها الجديدة الفردية، عملت على تغريب الذات في المجتمع عندما حولته إلى آلة، في مجتمع محكوم بعلاقات الاستهلاك والمادة والبيروقراطية.

النزعة العدمية للفلسفة الوجودية كانت تعبيرا عن أزمة الذات في مواجهة شرطها الوجودي، بعد أن فقدت الذات كل يقين آخر. كان الاغتراب والحزن والسأم هو الشعور الطاغي على شعراء تجربة الحداثة. في الشعر العربي الحديث تحول الشاعر من صوت القبيلة إلى صوت الحزب أو الأيديولوجيا، مع صعود اليسار العربي وهيمنته على المشهدين السياسي والفكري عربيا.

قصيدة النثر كانت الأكثر ارتباطا بصوت الذات، وتعبيرا عن نوازعها وقلقها الوجودي، لكن هذا التحول لم يكن ينبع في الشعرية العربية من تجربة معيشة. هذه التجربة وفدت إلينا مع مناخاتها القاسية وعوالمها المأساوية من الشعر الغربي، لذلك كانت التجربة على هذا المستوى مختلقة، نظرا للاختلاف الكبير في التجربتين العربية والغربية. قلق الذات وحيرتها وأسئلتها الوجودية كان تحت تأثير تجربة الآخر، وتماهيا معها.

صحيح أن خيبة جيلنا وما تلاه سياسيا وأيديولوجيا جعلتنا نعيش حالة من انعدام التوازن والفراغ أسهمت في بروز صوت الذات ومكابداتها في هذه القصيدة، لكن لم تتكون أرضية فكرية وفلسفية لمفهوم الذات بسبب استمرار البنى الاجتماعية التقليدية وثقافتها. الذات العربية ما زالت مسحوقة تحت سلطة الاستبداد، ولم تتمكن بعد من استعادة ذاتها وكينونة وجودها في حياة مهددة بالمصادرة والضياع.

نيسان ـ نشر في 2017-10-10 الساعة 01:50


رأي: مفيد نجم

الكلمات الأكثر بحثاً