اتصل بنا
 

نظرة أولية على أداء حكومة الرزاز

نيسان ـ نشر في 2018-07-30 الساعة 12:22

x
نيسان ـ

بقلم محمد قبيلات....إذا أردنا أن نلقي نظرة عامة أولية على أداء الحكومة، بعد ما يقارب الخمسين يومًا على تشكيلها، حيث أدت اليمين الدستورية يوم 14/حزيران/2018 ونحن الآن في نهايات شهر تموز، فإننا نجد أن الحكومة كانت ميّالة في بداية عهدها إلى ترسيخ الشعارات والأسس، التي أخذت طابعا حماسيا، في حين تظهر الآن الميل إلى خطاب مسطح يتطاول باتجاه الشعبي بشكله العام، لكن الممارسات ظلّت على أرض الواقع تشكل امتدادا لسياسات حكومة الدكتور هاني الملقي.
يضاف إلى ذلك أن الصيغ الدفاعية أخذت من الحكومة الجهد الكثير، فقد كان الدكتور عمر الرزاز مضطرا لأن يقدم دفاعاته في أكثر من مستوى عن تشكيلة الحكومة، خصوصا مع أعضاء مجلس النواب لنيل ثقتهم، وقد اضطر لصرف الوعود لهم، حسب ما تسرّب من أنباء، بأنه سيجري تعديلا موسعا على الحكومة بعد مرور مئة يوم.
النبرة العالية كانت مميزة لخطابات الرئيس وأعضاء فريقه الوزاري، لكن التراجع عن بعض الوعود والتصريحات كان حاضرا أيضا، مثل وعد الرئيس بأن تكون الحكومة رشيقة، وتركز على الكفاءات، وقد رأينا كيف أن الحكومة خرجت موسعة بما لا يختلف عن التشكيلات السابقة، هذا إضافة إلى أن تشكيلتها شملت وزراء سابقين أكثر من النصف.
الفريق الاقتصادي لم يقدم ما هو جديد حتى هذه اللحظة، وما زال يسير على هدي وخطط الحكومة السابقة، متخذا من الغطرسة منهجا للتعاطي مع الرأي العام، خصوصا فيما يخص رفع بعض الضرائب، وتمريرها بشكل موارب غير مباشر، فلم يستطع أن يقدم خطابا صريحا، حتى هذه اللحظة، حول تعديل قانون ضريبة الدخل، وكل ما يقوله الدكتور رجائي المعشر يندرج ضمن أحاديث وتصريحات تفتقد الوضوح والشفافية، فبعد إنكاره لوجود قانون جديد للضريبة، عادت تصريحاته اللاحقة لتدور حول حوارات موسعة تناقش القانون الضريبي الجديد، أما وزارتا المالية والتخطيط، فما زالتا تنفذان موازنات وخطط الحكومة السابقة بحرفية كاملة.
على صعيد وزارة التربية والتعليم فإن سياسة الحكومة ما زالت مستمرة ولم تطرح أية خطط جديدة لإصلاح التعليم، ومن الطبيعي أن تكون هذه هي الحال، خصوصا أن دولة الرئيس هو الذي كان يحمل حقيبة التربية، أما عن التعليم العالي فحدث ولا حرج، فقد تم الكشف عن أن بعض أعضاء مجالس الجامعات لا يحملون مؤهلات علمية تؤهلهم لهذه المواقع، إضافة إلى فضيحة تأخر تسمية رئيس للجامعة الأردنية، وهذا مؤشر خطير على أن هذا التعيين خاضع للمحاصصة وتجاذب مراكز القوى، ما أخّر تعيين رئيس للجامعة وقد شغر موقعه منذ تشكيل الحكومة.
وزارة السياحة هي الأخرى بقيت تسير ضمن سياستها القديمة خصوصا أن وزيرتها من الوزراء السابقين العائدين ضمن فريق هذه الحكومة، وقد حدثني صديق كان يرافق مجموعة من الطلاب الأجانب قاموا بزيارة إلى البتراء، مدينة الأردن الوردية، يقول الرجل إن دوريات السير والشرطة أوقفت الحافلة التي كانت تقلهم خمس مرات بين الكرك والبتراء، وفي كل مرة كان السياح يؤمرون بالنزول من الحافلة للتفتيش، وعندما وصلوا دفع كل سائح خمسين دينارا، من دون أن يتلقوا مقابلها أية خدمات، حتى لو على مستوى طاقية أو قميص، ناهيك عن سوء الخدمات والمرافق الصحية داخل المدينة الأردنية العريقة.
أما قضية مصنع الدخان، فربما كانت أكثر تعقيدا مما يظهر على السطح، وبرغم استمرار الحكومة بعمليات الدهم والتحقيق مع المتهمين في القضايا المتعلقة بالموضوع، إلّا أن الخطاب الحكومي يعكس تناقضات كبيرة، ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة على لسان رئيسها، بأن لا رجعة عن محاربة الفاسدين وأن الرئيس لديه تفويض ملكي بمتابعة الملف وأنه على استعداد لأن يكون انتحاريا في هذه المعركة، إلا أن مسارات القضية بدأت بالتعرج ولم تعد على استقامتها الأولى، ولم يتم اعتقال أي من الأسماء الكبيرة التي من المؤكد أنها أسهمت بصناعة وتوفير الغطاء لهذه النشاطات الإجرامية، على مدى السنوات الماضية، وإلا ما كان لهؤلاء المتهمين القدرة على مواصلة نشاطهم غير القانوني.
أما في الجزء الأهم، المتعلق بامتلاك الحكومة ولاياتها العامة على مختلف القطاعات، فهو ما زال في دائرة الشك، ومن الواضح أن الحكومة ما زالت، حتى هذه اللحظة، مجرد حكومة تصريف أعمال لبرنامج الحكومة السابقة، وتعود بقراراتها إلى أكثر من مرجع، هذا برغم أنها أعطيت فرصة ذهبية كي تمارس استقلاليتها، خصوصا أن المراجع العليا مشغولون في هذه المرحلة بملفات السياسة الخارجية، ويولونها الاهتمام الأكبر، كما أن الديوان الملِكي لم يعد منافسا للحكومة ومزاحما لها في تنفيذ مهماتها وبرامجها.
وفي بند متصل بامتلاك الولاية العامة، ليس من تفسير لحالة الاستقواء التي يمارسها بعض مراكز القوى على الحكومة، وخير دليل على ذلك، ما يقوم به المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حيث يمارس السطوة على الحكومة من خلال إعداده لتقرير حالة البلاد، ويعطي لنفسة مكانة وقوة تتعدى حدود صلاحياته ومهماته التي أنشئ من أجلها.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي بات اليوم يضع نفسه في مكانة أهم من مكانة السلطة التنفيذية أو حتى التشريعية، ويعطي لنفسه صفة صانع ومقرر السياسات، إذ يقوم باستدعاء الوزراء، سواء كانوا عاملين أو سابقين، ويطّلع على تفاصيل خطط عمل وأحصائيات مختلف الدوائر الحكومية من دون رقيب أو حسيب، وهذا ما يتطلب من الحكومة أن تضع حدًا مناسبًا لهذا التغوّل.
إن أشد ما تحتاجه الحكومة اليوم، من أجل أن تقوم بمهمتها في انقاذ البلاد من حالة الاستعصاء المشارفة للإفلاس، هي المراجعة الجادة للسياسات السابقة كافة، وتحديد حجم المشكلة التي تعانيها مؤسسات الدولة، والبدء بتنفيذ حلول تراعي التدرج على سلم الأولويات الوطنية، ومد يد العون للفئات الإجتماعية التي تضررت من سياسات الحكومات السابقة.

نيسان ـ نشر في 2018-07-30 الساعة 12:22

الكلمات الأكثر بحثاً