اتصل بنا
 

إهتراء المجال العام.. الأسئلة المؤجلة والمسكوت عنها تندلق على الطاولة مرة واحدة

نيسان ـ نشر في 2018-08-03 الساعة 09:35

x
نيسان ـ

بقلم محمد قبيلات....كم نحتاج من الصيانة وإعادة التأهيل؟ وأولًا؛ ما هو حجم المشكلة؟ من الأطراف الواجب عليها تكليفا القيام بهذه المهمات؟ وهل هي مؤهلة لهذه العملية؟
ربما كانت هذه الأسئلة ومثلها الكثير ما نحتاجه اليوم للوقوف على أول سكة الخلاص مما يحيط بنا من قلق وتوتر، فقد وصلت مجتمعاتنا مرحلة عالية من الاحتقان والتوتر، إذ باتت كل الأسئلة المؤجلة، وكل المسكوت عنه مطروحا على الطاولة مرة واحدة.
وللذين يقولون أن المجتمع مرَّ بالكثير من الظروف المشابهة سابقا، في المراحل التاريخية المختلفة، نقول: لا، الذي اختلف الآن أن دورة الأحداث المعبرة عن التوتر والاحتقان كانت أطول، وللتوضيح فإن الأزمات في أول عقدين من تأسيس الدولة كانت متباعدة، وكانت التزامات الدولة أقل، وحاجات الناس المرتبطة بها أقل، في حين أن مؤسساتها كانت أقوى، والمجال العام أضيق وأضعف.
وكانت العملية السياسية تندرج بالإجمال ضمن حدود العقد الضمني الناشئ عن الانخراط في النمط الكولنيالي الذي يفرض ولاية مباشرة لأجهزة الدول المستعمِرة، فيتم كتم الاحتجاجات من دون أن تأخذ مداها الكامل في التأثير في الفضاء العام.
هذا إضافة لوهم العيش في ظل المشاريع الكبيرة والدولة القومية، وهو ما ينطبق على معظم الدول العربية.
بعد صدمة حزيران 1967 التي أنهت تلك الأحلام الكبيرة، جاءت أحداث 1970 لتصنع أو ترسخ هوية جديدة للدولة الأردنية، وتبدأ عملية انكفاء على الذات، واعادة تأسيس البنية التحتية للدولة ومرافق المجال العام، مدعومة بأرتفاع أسعار النفط.
وحين تم ادراج أكبر حجم من القوى العاملة في قطاع الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، بحيث أصبحت الدولة تدفع معظم موازنتها رواتب وتأمينات صحية وضمانات تقاعد، عشنا أجواء الدولة شبه الريعية، فتباطأت، نتيجة لذلك، دورة الاحتقانات الشعبية طوال السبعينيات إلى آخر الثمانينيات، واستمرت هذه الحقبة حتىمع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ونضوب قنوات دعم الدول النفطية لدول الصمود والتصدي.
على أن عملية احتلال الكويت، والأزمة الناشئة عنها، والحرب الامبريالية على العراق، أعادت صياغة سياسة الدعم الخليجي للاردن من جهة، ودخول العراق سنوات الحصار الدولي حدَّ من دفعات الدعم العراقي من جهة ثانية.
واصلت الدولة دورها بترسيخ النمط شبه الريعي، بالاعتماد على تعويض النقص في الدعم الخارجي بالإقتراض، طوال العقدين اللاحقين، لتبدأ الأزمة بالتفاقم عام 2008 مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصادات دول العالم، حتى 2010 لتبدأ من بعدها دوامة أسئلة الربيع العربي مع تضاعف أرقام المديونية.
سهّلت التطورات الهائلة في أجهزة وتطبيقات الاتصال تسارع الأحداث المناهضة للبنية القديمة، ومن ضمنها المجال العام أو الفضاء العام، الذي بدأت بناه تواجه أسئلة كبرى، فلم تعد الأحداث متباعدة، أو أنها صارت مكشوفة أولا بأول.
بناء على ذلك، بدأت تنخرط أعداد أكبر من الناس في حلقات التفكير والحوارات، ولم تعد القطاعات الواسعة من الناس تعتمد على حلول النخب السياسية، فقد ولى عهد التفويض المطلق الذي منحته لتلك النخب بادارة الأمور، بسبب انهيار الثقة بأدائها ونزاهتها.
مبعث القلق الأساسي اليوم بات يرتبط بالقناعة الراسخة لدى الأطراف الاجتماعية كافة بأننا دخلنا حالة الإفلاس التام، فلم تعد لدى الطبقات الحاكمة الهوامش التي كانت متوفرة بكثرة في السابق.
فالدعم الخارجي بأدنى حدوده، وما يمكن بيعه من مشآت القطاع العام تم بيعه، وفي الاقتراض وصلنا إلى المستويات الحرجة، لم يعد من السهل فرض رسوم وضرائب جديدة، وهناك تخوف لدى مراكز القوى الوازنة من إجراء اصلاحات سياسية جذرية لجهة محاسبتها على الهدر الذي أدى إلى هذه الأزمة الخانقة.
تتشبث الطبقة الحاكمة برفضها للإصلاح وتملكها للدولة ووسائل الإنتاج، لأن الإصلاح السياسي الجذري يعني إنزياح تلك الطبقة عن ملكية وسائل الانتاج وأن تتولى ملكيتها وإدارتها طبقات أخرى.
حينها، بدأت عمليات الغليان، وتسارع دورات الاحتقان، وكما نلاحظ فإن في كل أسبوع أصبح عندنا حدث أو أحداث تشد الرأي العام، وتضغط على المجال العام وفضائه وتدفعه إلى أقصى درجات التوتر.
السؤال الموجه الآن لأصحاب الشأن: إلى أي انفجار ستؤدي هذه الحالة المتوترة؟ وهل من حلول في جعبتكم؟ أم أنكم فقط تمارسون عملية شراء الوقت على أمل ان تمطر السماء حلولا؟.

نيسان ـ نشر في 2018-08-03 الساعة 09:35

الكلمات الأكثر بحثاً