اتصل بنا
 

ماذا يقرأ هؤلاء؟

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-09-04 الساعة 11:46

عرفات والماركيزية: تلفيقية السيسي بين كاتبين كبيرين وآخرين بلا قيمة معرفية.
نيسان ـ

سئل ياسر عرفات، في ندوةٍ تلفزيونيةٍ معه قبل أربعة وعشرين عاماً، عن آخر كتابٍ قرأه، فأجاب: "مائة عام من العزلة". وكانت الرواية قد ذاعت شهرتها، مع فوز صاحبها ماركيز بجائزة نوبل، ومع ترجمتها للتو إلى العربية. بدت الإجابة مثيرة، فهل كان وقت لدى عرفات لقراءة هذه الرواية، وهو الذي كان زعيماً مطوّقاً بأشغالٍ ومسؤولياتٍ بلا عدد، أم أن اسمها جاء إلى خاطره لمّا تلقى السؤال (غير المحرج؟)، وكان قد سمع عنها، أو تصفّحها في واحدةٍ من أسفاره الكثيرة بالطائرة؟ ولا يعني التشكيك الملمّح به، هنا، بشأن قراءة عرفات رواية ماركيز تلك أنه لم يكن محبّا للأدب والأدباء، وهو الذي طالع، في صباه وشبابه، تولستوي وغوركي وهمنغواي، وكان يقول إن الثورة الفلسطينية ليست بندقيةً فحسب، وإنما قلمُ أديبٍ وقصيدةُ شاعرٍ وريشة فنان (هل كتب أحدُهم له هذه العبارة الرفيعة؟).

مناسبة استدعاء واقعة عرفات الماركيزية تلك أن عبد الفتاح السيسي قال، قبل أيام، إن آخر كتابٍ قرأه لمحمد حسنين هيكل (لم يسمّه)، وإنه يفضّل القراءة أيضاً لجمال حمدان وأنيس منصور وموسى صبري، وزاد إنه "ليس معنى أنك تفضل القراءة لكاتبٍ معين أن كل رؤاه تتفق مع كل رؤاك". وعجيبة هذه التلفيقية التي أقامها السيسي بين كاتبين كبيرين في السياسة والصحافة والتاريخ وكاتبين آخريْن لا قيمة معرفية أو ثقافية خاصة لهما، فأنيس منصور التي تزيد كتبه عن المائة لا يُقرأ لغير التسلية وتزجية الوقت، في صالون الحلاقة وأنت تنتظر قصّ شعرك مثلاً. أما موسى صبري، فهو صحافي، وكتبه القليلة تضم ثرثراتٍ مسترسلة عن نفسه، وبلا موهبة في الكتابة والسرد. وفي تلفيقيّته هذه، جمع السيسي اثنين من ذوي الهوى الناصري، وهما كاتبان كبيران حقاً، مع آخريْن ساداتيين، يتصفان بالخفّة، فأي "رؤىً" لدى الأربعة يتفق ويختلف معها؟
لا توحي شخصية السيسي بشيءٍ من سمت المثقف فيه، (إنه يقرأ أنيس منصور وموسى صبري!). وفي حاله هذا، يُشابه حسني مبارك الذي كان عسكرياً محترفاً، إبّان مسؤولياته في الجيش المصري، وقد كتب عنه كثيرون إنه ربما لم يقرأ، طوال سنوات رئاسته مصر الثلاثين، كتاباً واحداً. ولكن نُشر، مرّة، إنه، في المستشفى العسكري الذي أقام فيه سجيناً ومفرَجاً عنه، متهماً وبريئاً، كان يُطالع "تفسير ابن كثير". والظاهر أن أسامة الباز الذي عكف على تثقيفه سنواتٍ لم يفلح في تحبيبه بالقراءة. أما خليفته محمد مرسي فلم تيسّر لنا السنة اليتيمة له رئيساً شيئاً عمّا كان يقرأ في أوقاته الخاصة (عدا القرآن الكريم).
ما الذي يستثير الرغبة في معرفة ما يقرأ أصحاب الفخامة العرب، والتيّقن من مستوى ثقافتهم العامة في التاريخ وعلوم السياسة والأدب؟ لا يتعلق الأمر بالنزعة الشعبية إلى تسقّط أخبار النجوم والمشاهير، وإنما هي، بصدد الرؤساء والحكام العرب الميامين، الأموات منهم والراهنين، لاستكشاف ما يمكن أن تُحدثه الثقافة، اتّساعها أو ضمورها، لدى هؤلاء من أثرٍ في الأداء والقيادة. ومن ذلك أن شخصاً اسمه بشار الأسد لا يجوز أن يكون رئيساً، ما دام يُسأل في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ بشأن موقفٍ لبرهان غليون، فيرد إنه لم يسمع بهذا الاسم. وهو الذي قال من جالسوه إنه يزدري المثقفين، ويعتبرهم ثرثارين لا لزوم لهم. والأرجح أن الجريدة البيروتية الموالية له كذبت، لمّا كتبت إنه ينهي يومه بقراءة كتبٍ بالإنكليزية صدرت حديثاً، موضوعة بجنب سريره.
تُنشر أخبار رسمية وبانتظام، عما يقرأ رؤساء أميركا من كتب، في عطلاتهم وأوقاتهم الخاصة. وربما مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي يتأتى لك أن تقع على ما يقرأ رؤساؤها أو لا يقرأون، من قبيل ما كتبه هيكل عن عبد الناصر والسادات، "رئيس يقرأ حتى ما ليس ضرورياً أن يقرأه، ورئيس لا يقرأ حتى ما تقتضي الضرورة أن يقرأه". وعن المغرب، يكتب إريك لوران إن الحسن الثاني كان يقرأ الكتب على مراحل، لأنه كان سريع الملل. وبالعودة إلى السيسي، أهداه، أخيراً، الروائي شريف عبد الهادي، روايته "أبابيل"، وفي تقديمها "إذا ضاع العدل انهار كل شيء". هل سيقرأها؟

نيسان ـ نشر في 2016-09-04 الساعة 11:46


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً