اتصل بنا
 

حين ينعدم الحياء

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-05-02 الساعة 17:40

أربعة كتاب فلسطينيين يثيرون الجدل بزيارتهم لسوريا لدعمها في حربها ضد الإرهاب
نيسان ـ

كان الأدعى من أربعتهم، مراد السوداني ورشاد أبو شاور وخالد أبو خالد ووليد أبو بكر، أن يبدأوا مشوارهم إلى سورية، لمؤازرتها في حربها على الإرهاب، (سورية آخر حصون العرب والعروبة، بحسب أحد هؤلاء) بالذهاب إلى حلب، والاجتماع مع الغرّ الميامين من الصناديد المغاوير المحاربين هناك، من عساكر وشبيحة، ومرتزقة مستَقدمين، فيستمع هؤلاء منهم عن "رهان الفلسطينيين على سورية"، على ما قال أحدهم (نفسُه)، ذلك أن الجيش السوري المغوار ونسوره الطيارين، وبإسناد من رفاقهم الروس، يخوضون هناك معركة الأمة وعزّتها، ويواصلون ضرب الإرهاب المقيم في المستشفيات والأسواق والعيادات، وفي كل مطرحٍ في المدينة وحواريها وحواليها. يُعاب على الأربعة، وهم، لمن لا يعرف، كتاب أدبٍ ونقدٍ فلسطينيون، يترأس أحدُهم، بالانتخاب، اتحاداً أهلياً، يُعاب عليهم أنهم بدأوا زيارتهم الظافرة بشرف اللقاء مع نجاح العطار، وهذه بحسب وكالة الأنباء السورية، تعمل نائباً لرئيس الجمهورية هناك. وقد سمعَت من أربعتهم كلاماً كبيراً عن المقاومة والعروبة والتطبيع، وأيضاً عن شراء ذمم الكتّاب، وقد أبلغ رئيس الرباعي هذا، في نزهته الشامية هذه، مضيفتَهم أنه سيحمل حفنةً من تراب سورية، كونه مقدّساً، لابنه. والظاهر أنهم في جلستهم مع السيدة نائب الرئيس استطردوا، في دعةٍ وراحة بال، في إبداء ما يعتنقونها من مُثُلٍ كبرى بشأن المقاومة ونصرة سورية وفلسطين و.. إلخ، فيما كان الأدعى أن يكونوا هناك، حيث ساحة الوغى في حلب، أقله ليؤكدوا لنا، نحن غير الممانعين، بأنهم يقرنون القول بالفعل، وغير تقليديين، بل كان عليهم أن يأتوا بالتراب من حلب، بدل استعراضٍ فقير الخيال، وبالغ التقليدية والركاكة عنه مقدسّاً، في مكتب أنيق ومريح، وحكومي رسمي.

لا شطط في الجهر، هنا، بأن وجود أبو شاور والسوداني وأبو بكر، ورابعهم الدمشقي الإقامة أبو خالد، في ضيافة السلطة السورية الحاكمة في بعض دمشق (هل يحظون بلقاء فخامة القاتل بشار الأسد؟) فضيحةٌ فلسطينيةٌ جديدة، متصلةٌ بمتواليةٍ لا يُراد لها أن تتوقف، من الرداءات المشينة في تفاصيل القاع الفلسطيني الراهن، وإنْ حقّ لمن أراد المحاججة أن يقول إن ثمّة شرفاء غير قليلين من أهل الكتابة في شعب فلسطين انحازوا إلى الشعب السوري القتيل، منذ أول خطاطة طفل على حائطٍ في درعا، قبل خمس سنوات. ولكن، أن يصطفَّ كاتبٌ مشتغل بالإبداع وقيمه، وأولها الحرية والجمال والعدالة، وينتمي إلى شعب فلسطين، مع نظام غاز السارين المتهاوي، فهذه من أمارات الخراب المريع في الحال الفلسطيني التعيس. وإذا شاء أحدُنا أن يقول، تأكيداً لهذه الحقيقة، إن أزيد من ألفي فلسطيني أزهق نظام الأسد أرواحهم في زنازينه وأقبيته، وبرصاص جيشه وشبيحته، في مخيم اليرموك وغيره، فإن القول الأصح إن القضية ليست هنا، لأن نبذ نظام الاستبداد والقتل لدى الفلسطيني لا يحسُن أن يصدر عن أرشيف هذا النظام الأسود، منذ انقلاب حافظ الأسد وصولاً إلى نكبة الفلسطينيين الراهنة في ظل نجله، لأن منظور الحرية وحق السوريين في التحرّر من هذا النظام هو الوجهة الأوْلى، وليس منظور الانتقام من نظامٍ يتداعى، وكان صائباً تماماً قول شهيد فلسطيني برصاص شبيحٍ، قبل ثلاثة أعوام، إن مشكلة مخيم اليرموك تُحل عندما تُحل مشكلة سورية. ومن دلائل غزيرة على هذه البديهية أن عشرة فلسطينيين قضوا برصاص عسكر الأسد في أثناء تظاهرةٍ فلسطينية تضامنت مع ضحايا مذبحة التريمسة في يوليو/ تموز 2012.

ليُثرثر مراد السوداني وأصحابه عن المقاومة والتصدّي للإرهاب، في معقل السلطة المتهالكة، والتابعة لموسكو وطهران، وليتوّهم مع الذين معه، أنهم يمثلون الفلسطينيين (هكذا!)، وليستمع، مع شيوخه، أبو بكر وأبو خالد وأبو شاور، من نجاح العطار عن "مواقف القائد المؤسس حافظ الأسد الداعمة للقضية الفلسطينية، والتي استمرت في عهد الرئيس بشار الأسد". ليس مفاجئاً منهم هذا البؤس، فتشبيحُهم سبق جرائم "داعش" وكل خفافيش الإرهاب الناجم من جحيم الأسد، غير أننا كنّا نحدس أن شيئاً من الحياء فيهم يجعلهم لا يفعلون جريمتهم المستنكرة، والدم في حلب طافحٌ قدامنا، لكنهم آثروا الانكشاف التام، فلم يروا داعياً لأي حياء، أو ستراً لأي عورة.

العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2016-05-02 الساعة 17:40


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً