اتصل بنا
 

(طالعلك يا عدوي طالع)

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-09-18 الساعة 11:05

أغاني الثورة الفلسطينية القديمة ودورها في تنشيط الحركة الثورية
نيسان ـ

طلّ سلاحي من جراحي/ يا ثورتنا طلّ سلاحي/ ولا يمكن قوة في الدنيا/ تنزع من إيدي سلاحي/ دربي مرّ/ دربك مرّ/ ادعس فوق ضلوعي ومرّ. ...
طالعلك يا عدوي طالع/ من كل بيت وحارة وشارع/ بسلاحي وإيماني طالع/ طالعلك يا عدوي طالع/ حربنا حرب الشوارع/ طالعلك يا عدوي/ طالعلك يا عدوي طالع/ من كل بيت وحارة وشارع/ من كل حيطة وبيت طايحين/ بالسطاطير وبالسكانين/ من كل حيطة وبيت طايحين/ بالسطاطير وبالسكانين/ بالسطاطير وبالسكانين/ وبقنابلنا اليدوية/ أعلنّا الحرب الشعبية. ...
.. نشيدان أغنيتان، كتبهما حسيب القاضي وصلاح الدين الحسيني، من بين حزمةٍ واسعةٍ من أناشيد وأغنياتٍ تشبههما، مفرداتٍ وحماسةً وروحاً، تنتسب إلى زمنٍ فلسطيني مضى وابتعد. هما من بين أغنياتٍ عديدةٍ لشاعريهما الراحلين، وألحانٍ وفيرةٍ لمهدي سردانة، والذي تتيح وفاته عن 76 عاماً، الأسبوع الماضي، مناسبة لا لتذكّره وحسب، وهو ليس ذائع الاسم، ولم يحظ بشهرةٍ عريضةٍ، وإنما أيضاً لإطلالةٍ عابرةٍ على ذلك الإيقاع الثوري الفلسطيني الذي انزوى، بعد صخبٍ معلوم، كانت تلك الأغنيات من عناوينه وعلاماته، ففيها يتجندل الأعداء، وتتوالى الانتصارات، ولا مطرح فيها لغير بطولات الفدائيين. أرشيف هذه الأغنيات غني، ومساهمة سردانة مركزيةٌ فيها، وفي وسمها بأنفاسها الثورية وسمتها العسكري، كما فعل صبري محمود ووجيه بدرخان وكنعان وصفي، وإلى حدّ ما حسين نازك الذي كان متخففاً من الحمولة البطولية الزائدة في ألحانه. كانت الأناشيد والقصائد للقاضي والحسيني (أبو الصادق) وسعيد المزيّن (فتى الثورة) الذي كتب النشيد الوطني الفلسطيني، وغيرهم.
كانوا شبّاناً مفعمين بروح الثورة والمقاومة، من أجل تحرير كل فلسطين، انتسبوا إلى "فتح" وفصائل وحركات ثوريةٍ وقوميةٍ فلسطينية وعربية، منذ نهايات الخمسينات. وساهمت إذاعة صوت العرب المصرية، ثم "صوت العاصفة" التي صارت "صوت فلسطين"، من القاهرة، بعد نكسة حزيران، وبدعمٍ من جمال عبد الناصر، في تنشيط هذا اللون الغنائي الفلسطيني الذي كان يستفيد كثيراً من إيقاعات الفلكلور وأغاني الأفراح وأهازيج الثلاثينيات والأربعينيات، غير أن جرعاتٍ وفيرةً من اللغة التعبوية والتحشيدية، والإيقاعات المارشيّة، أعطت أغنياتهم وأناشيدهم الروح الثورية المعلومة. وفي سيرة مهدي سردانة أنه عمل في "صوت العرب"، في يفاعته، ثم التحق، مع رفاقٍ له، مؤسسين ومبدعين، في "صوت العاصفة" التي انطلقت منها أغنية "طلّ سلاحي من جراحي"، في 1968، وذاعت شهرتها لاحقاً، وباتت من أهم أناشيد الغناء الثوري الفلسطيني، ولا تملّ تلفزاتٌ غير قليلة، الآن، بعد كل هذه السنوات، من إذاعتها، للتدليل على مرابطتها على روحٍ مقاومةٍ .. وممانعةٍ أحياناً.
كان "الإعلام المقاوم" في مؤسسات منظمة التحرير ينشط في ترويج تلك الأغنيات التي غالباً ما تؤديها أصواتٌ جماعية، وغالباً ما تبثّ على الشاشات، منذ زمنها ذاك، مع صور فدائيين يتمنطقون البواريد والآر بي جي، ويتدرّبون على اجتياز النهر، وعلى الرماية، ويستعرضون قدراتهم، وهم يلبسون الفوتيك والمرقّط في ساحاتٍ وشوارع، وفي مخيمات اللجوء، وياسر عرفات يحييهم أحياناً، وتتخلّل مشاهدَهم هذه صور أطفال (أشبال) وصور القدس وفلسطين.
لُقّب مهدي سردانة "قيثارة الثورة الفلسطينية" و"الوتر المقاتل". وكانوا، هو وصديقاه الشاعران، حسيب القاضي وصلاح الحسيني، ثلاثياً خاصّاً يزوّد الحالة الفلسطينية بذخيرةٍ من هذا المنجز الذي صار أرشيفاً دالاً على مرحلةٍ انطوت، لكنها باقيةٌ في الذاكرة الوجدانية الفلسطينية الجمعية. ومن فائق الأهمية والضرورة حماية هذا الأرشيف وصوْنه، فقد صار في هذا الزمن التعيس، حيث المشروع الوطني ينكفئ، وحيث الحال الفلسطيني في القاع، من الموجبات أن يتسلّح الفلسطيني بمقادير من النوستالجيا. ولما وفّره مهدي سردانة، وزملاؤه، مطرحٌ فيها، فالرجل صنع لوعيدنا العدو، الذي سنطلع له في كل حارةٍ وشارع، وبقنابلنا اليدوية التي سنقيم فيها الحرب الشعبية، أغنيةً مثيرةً. وكم كان، رحمه الله، رهيفاً، وهو يردّ على سؤال الشاعر مراد السوداني، في مقابلةٍ تلفزيونية معه، بأنه كان يتمنى أن يلحن أغنية النصر لفلسطين.

نيسان ـ نشر في 2016-09-18 الساعة 11:05


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً