اتصل بنا
 

ليلة القبض على الأسى

نيسان ـ نشر في 2017-01-10

نيسان ـ

سؤالٌ مفجع صريح، لا بد من طرحه على أنفسنا، قبل البحث في اعتبارات السياسة ومعطياتها المتبدّلة المتحولة التي بلا أخلاق في الغالب: متى وكيف حدث كل هذا القبح الدائر؟ مَن أدّى بنا وأوصلنا إلى هذه المرحلة المُعتمة المؤسفة، شعوباً وقبائل وطوائف مقتتلة متناحرة بائسة؟ أين كانت كامنةً كل هذه الوحشية والبلادة والقسوة والفجاجة وقلة الاكتراث بأوجاع الآخرين، بحيث صار كثيرون منا ممن افترش السواد والجهل والتطرّف والحقد والضغينة أرواحهم، يفرح علناً ويشمت ويطلق نكاتاً سمجةً، بوقاحة وقلة مروءة وانعدام حساسية أو مشاعر تضامن بموت أبرياء مسالمين، من غير ما ذنبٍ اقترفوه. فقط وثقوا بأن الحياة سخيةٌ بما يكفي ليحتفلوا بها، رفقة أحبّتهم، مواجهين ليل البوسفور الجميل الغافل، على أملٍ بمطلع عام جديدٍ مختلفٍ، كان من الممكن أن يحمل، في أيامه المقبلة، بهجةً ما، اغتال حلم تحققها وحشٌ داعشي آثم، مغيب العقل والروح والضمير، منزوع الفطرة الإنسانية والرحمة، في لحظة سهو غاشمة حمقاء، أودت بحياة أرواحٍ لا حول لها ولا حيلة، كان ذنبها الوحيد أنها سعت إلى الفرح البريء البسيط، فراحت ضحيةً جديدة، جرّاء أكبر مصائبنا الراهنة على الإطلاق.
فكر إرهابي مستفحل لا يفكر، غادر هائج كثور معصب العينين، منفلت في حقل، فئة باغية منحطّة على كل الصعد، تعمل بصفة أجيرة وضيعة، برتبة بعبع من وهم وخديعة لدى أنظمة استبداد هالكة، باتت مكشوفة، منذ هوت أكاذيبها المضحكة المبتذلة المستهلكة حول ذريعة المقاومة والصمود المفتعلة المملة، مثل نكتةٍ قديمة مكرّرة.
في هذا السياق، يمكن، وبسهولة، تحديد العدو، ومن يقف وراءه ويغذّيه، بل يمكن مواجهته، والقضاء عليه، في نهاية الأمر، كون ملامحه الشوهاء القبيحة أوضح من عين الشمس. غير أن المرعب والكارثي عدد الأعداء من الدواعش المستترين ممن يعيشون بيننا، يقاسموننا الأوكسجين نفسه، ببدلات أنيقة وسيارات فاخرة وساعات رولكس وأزرار قمصان ذهبية، وربطات عنق فرنسية الصنع وعطور باذخة وموبايلات حديثة. منهم نواب أمة كذلك رفضوا، بكل صلافةٍ، الوقوف دقيقة صمت تحت قبة برلمان الأردنيين تحيةً واحتراماً وحزناً على أرواح شهداء الكرك، من خيرة الشباب الذين تصدّوا بكل البطولة الممكنة، وقضوا على الإرهابيين، وردّوا كيدهم إلى نحرهم، وهم الذين زيّن لهم شيطان ما استباحة أمن مدينة وادعة تفتح ذراعيها، مرحبة بالضيوف، معروف أهلها بالطيبة والكرم والنخوة والقدرة على التضحية بأرواحهم ببسالةٍ عز نظيرها. على الرغم من ذلك، تجرأ من دون أن ترمش لهم عين نواب محلفون على رفض القيام بخطوة بروتوكولية لا تخلو من رمزية، استكثروا فيها وقفة دقيقة الصمت الحزينة على الشهيد سائد المعايطة ورفاقه من الشهداء الأبرار. سائد الذي قطع إجازته والتحق يومها بالخدمة طوعا وحماسةً.
الكارثي والمرعب أكثر موقف جمهور ناخبي أولئك النواب الذين رصدت الكاميرا لحظتهم المشينة، إذ التزم جمهورهم الداعشي الهوى الصمت، ولم يبادر إلى محاسبة هؤلاء النواب بتهمة الخيانة العظمى للدم الغالي المسفوح غيلةً وغدراً، كما أوردت الأنباء، في سياق آخر، رفض عدد لا يستهان به من أئمة المساجد أداء صلاة الغائب على أرواح شهداء البوسفور، بذريعة أن الضحايا كانوا يحتفلون في ملهى، ضمن منطق تبريري. وهذا مؤشر بالغ الخطورة على موافقة ضمنية، بل ومباركة مثيرة للأسى والخيبة في صدور هؤلاء لتلك الأعمال الوحشية التي أعلنت 'داعش' المجرمة مسؤولياتها عنها، بل وألحقتها بفتوى دامية تستبيح فيها أرواح الأردنيين وأعراضهم، وتعلننا كفرة مارقين، يجوز علينا القتل، بل ويثاب فاعله ويؤجر! يحدث هذا كله فيما من رفض الوقوف لحظة صمت في القبة يواصل صمته الرهيب المريب.

نيسان ـ نشر في 2017-01-10

الكلمات الأكثر بحثاً