اتصل بنا
 

جمالها المتاح على قارعة الطريق

نيسان ـ نشر في 2017-08-07 الساعة 14:25

تحرّش النساء العربيات: الواقع الصادم والتغيير المتوقع.
نيسان ـ

لم تعد المرأة العربية مضطرةً بعد الآن للصمت والاستكانة وابتلاع الإهانة والقبول بصفة الضحية المنكسرة الذليلة التي تمشي في شوارع مدينتها مطأطئة الرأس، يجلّلها الإحساس المرير بالدونية والعجز، مذعورة من أذى المتحرّشين وعدوانهم، وهم فئةٌ ليست قليلة في معظم البلاد العربية، وإن كانت النسب تتفاوت من بلد إلى آخر، ممن يستغلون حالة الضعف والحذر والخوف المبالغ به، وهم القادرون على استشعارها في سلوك المرأة، حين تضطر للسير منفردةً في شارعٍ ما، فيتطاولون عليها بكل خسّةٍ ودناءة، لفظيا أو جسديا. ولو أتيح لهم، لتمادوا في الأمر إلى نهايته، ذلك أن كل متحرّش، هو في واقع الأمر مجرم مغتصب، بلا أدنى ضوابط إنسانية أو أخلاقية، لم تتوفر له، في لحظة التحرّش، الظروف المواتية للمضي في ارتكاب جريمته النكراء، إذ لا يردعه، في هذه الحال، سوى الخوف من الانكشاف والعقاب والفضيحة. لذلك، فإنه يعبر عن طاقته الشريرة الآثمة، وميوله العدوانية العنيفة الخطرة باقتناص أي فرصة سانحة للتحرّش اللفظي، وأحيانا الجسدي، بالعابرات، اعتمادا على أنه سينجو بفعلته، كون النساء يصمتن مرغمات، في العادة، ويكتمن الأمر خوفا من اللوم، ودفعا للعار الاجتماعي الذي يفرضه نمط تفكير ذكوري بائس ومتخلف، تتبناه نساء مؤسفات أحيانا!
يوجه اللوم متجنيا على الضحية، منحازا إلى الظلم، بل ومشاركا فيه، متواطئا مع مرتكبه، حين يعمد إلى التخفيف من وقع فعلته، متذرّعا بأن مظهر المعتدى عليها المثير كان سببا للتحرّش، حيث أن المتحرّش (المسكين) غير قادر على ضبط نفسه أمام الفتنة المباحة! يبرّر أصحاب هذا المنطق الأعوج محاولته الانقضاض مثل ثور هائج 'الحق عليها ليش متبرّجة'. والذنب يقع على جمالها المتاح على قارعة الطريق، مثل المال السائب الذي يحرّض على السرقة، علما أن دراسات ميدانية أثبتت أن الحجاب لم يحل دون ارتكاب فعل التحرّش في حالاتٍ كثيرة، غير أن هذا الواقع الصادم آخذ في التغير حكما، بسبب من زيادة وعي النساء بحقوقهن وكرامتهن التي يكفلها القانون، سيما في ظل حزمة تعديلات تشريعية إصلاحية جذرية جرت، أخيرا، في أكثر من بلد عربي، مثل تونس والأردن، في انتصار لمبادئ العدل والمساواة، حيث تم إقرار قوانين للقضاء على العنف ضد النساء في تونس، تتضمن أحكاما رادعة ضد التحرّش. وكذلك في الأردن، حيث أقرّ، بموجب التعديلات، تجريم التحرّش الجنسي، ومنع استخدام العذر المخفّف، في حال الاعتداء على النساء بداعي الشرف، وإلغاء المادة 308 سيئة الصيت التي تعفي المغتصب من العقوبة، في حال تزوج المغتصبة.
ولعل حكاية المصرية، هند عبد الستار، شاهد ومثال على بداية تغير نمط تفكير النساء وقناعتهن بضرورة التحلي بالقوة والثقة في التصدّي للمتحرشين. وهي أول فتاة في مصر تحصل على حكم خمس سنوات سجنا مشددا من محكمة الجنايات في حلوان على من تحرّش بها في الشارع لفظيا، وحاول لمسها عنوة، فلاحقته قضائيا، وزجّته في السجن، عقوبة عادلة رادعة سوف تجعل أمثاله من البهائم المنفلتين غير المسيطرين على غرائزهم التفكير مليون مرة قبل الإقدام على فعلٍ مشين كهذا.
قالت هند إنها حصلت على دعم كامل من والدها، ولم ترضخ لضغوط عديدة، بل تحدثت، بكل صراحة وشجاعة، عن تجربتها من دون خجل، إذ ليس هناك ما يخجلها، وهي البنت الحرّة، الأبية المعتدّة بنفسها، الحريصة على كرامتها، المصرّة على الاقتصاص ممن أهانها، من دون الالتفات لمحاذير غبية، تفرضها مجتمعات مذعورة، تتعامل مع جسد المرأة، كما لو كان مشروع فضيحة أو قنبلة عار موقوتة، يستطيع أي عابر في شارع مظلم أن يفجّرها، وذلك انسجاماً مع مقولة ساذجة، توارثناها وكرّرناها من دون تأمل، فاستقرت في لاوعينا حقيقة لا تقبل النقاش.. 'شرف البنت زي عود الكبريت ما يولعش مرتين'.

نيسان ـ نشر في 2017-08-07 الساعة 14:25


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً