اتصل بنا
 

بن برادلي ومارك فيلت

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2018-01-28 الساعة 15:03

نيسان ـ توقع الصحافي الأميركي، مايكل وولف، أن يطيح كتابه 'نار وغضب ..' الرئيس دونالد ترامب، غير أنه، في كلامه هذا، كان يشتهي ذلك ويتمنّاه. وعلى ما في الكتاب من إثارةٍ بالغة، إلا أن 'الحكي' عن ترامب ليس في منزلة تثبيت تهمةٍ ضده، بالخيانة أو الكذب مثلا. وهذا المحقق الخاص في شبهة التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية، روبرت مولر، لديه إرادة قوية بالوصول إلى الحقيقة بشأن هذا 'التدخل'، وما إذا كانت لدى ترامب دراية به، لتتم مساءلته بشأنها في حالة ثبوتها، ثم إجباره على الاستقالة، وإذا حدث هذا فستكون الولايات المتحدة أمام سابقةٍ استثنائيةٍ، تختلف عن استقالة الرئيس، الجمهوري أيضا، ريتشارد نيكسون في 1974 بعد ثبوت معرفته بتجسّس رجاله على الحزب الديمقراطي، في الفضيحة الشهيرة 'ووترغيت'. وثمّة إلى قصة الروس تلك، ومجهود روبرت مولر وفريقه، حكاية دفع ترامب أموالا لممثلةٍ إباحيةٍ لتصمت عن علاقةٍ كانت بينهما قبل 12 عاما. ومن شأن 'ثبوت' هذه الفعلة أن تضيف سببا آخر للتنغيص على هذا الرئيس، واستثمار الأمر في مسار البحث المضني عن صيغةٍ قانونيةٍ مكتملة الأركان تُخرجه من البيت الأبيض.
صحيحٌ أن صحفا وقنوات تلفزيونية أميركية غير قليلة تتعب من أجل أن تحظى بالخبطة التي تطيح دونالد ترامب. وصحيحٌ أن 'وول ستريت جورنال' هي التي نبشت في قصة الممثلة. وصحيحٌ أن التجرؤ غير المسبوق الذي يزاوله هذا الرجل على الصحافيين يضاعف من دوافعهم في البحث عن ضربةٍ قاضيةٍ تنهي رئاسته، قبل أن تكتمل سنواتها الأربع. غير أن متابعة تفاصيل هذا كله تفيد بأن ثمّة ما هو ناقصٌ في كل مجهودات هذا الإعلام، يجعل ترسانة الصحافة أقل قدرة على تصويب الضربة القاضية المشتهاة. ما هو؟ لا إجابة لدى صاحب هذه الكلمات.
لكن، ثمّة قياسُ الغائب على الشاهد، (وهذا مهيمنٌ في التفكير العربي المعاصر، بحسب محمد عابد الجابري). ولأن رئيسا أميركيا واحدا فقط استقال بعد فضيحة سياسية مشهودة، هو نيكسون، تجوز محاولة الاستئناس بقصته. وأول القول في هذا إن الصحافة كانت المنصّة الأهم التي سدّدت الضربة القاضية إلى ذلك الرئيس. ومن مزايا فيلم ستيفن سبيلبيرغ الجديد 'ذا بوست'، عن انتصار صحيفة واشنطن بوست في 1971 لحرية النشر ضد إرادة البيت الأبيض، وساكنه نيكسون، أنه يذكّر بالفيلم الشائق 'كل رجال الرئيس' (إخراج ألن باكولا، بطولة روبرت ريدفورد وداستن هوفمان، 1976)، والذي أحاط بتفاصيل مثيرةٍ عن مجهود الصحافيين في 'واشنطن بوست'، بوب وودوارد وكارل برنستين، في كشفهما خيوط تورّط عدد من رجال نيكسون، وعاملين في حملته الانتخابية لولاية ثانية، في 'ووترغيت'، ونشرهما التفاصيل التي ساهمت في اضطرار نيكسون إلى الاستقالة الشهيرة.
في تلك الأثناء، كان لرجلٍ، اسمه بن برادلي (توفي في 2014 عن 93 عاما)، الحضور الأهم في ثبوت الفضيحة في 1974. وقبل ذلك في نشر 'واشنطن بوست' في 1971 'أوراق البنتاغون'، بشأن كذب سلطات رؤساء أميركيين وتضليلها الرأي العام بشأن الحرب في فيتنام وغيرها. كان بن برادلي رئيس تحرير الصحيفة، من 1968 إلى 1991 (أدى توم هانكس دوره في فيلم سبيلبيرغ، وأدّاه جايسون روباردس في فيلم باكولا). إنه الرجل الذي خُلع عليه وصف أسطورة الصحافة الأميركية، ووشّحه الرئيس السابق، باراك أوباما، بوسام الحرية الرئاسي، والذي رفض مطلب الرئيس جيمي كارتر عدم نشر معلومةٍ حرجةٍ وحساسةٍ تخص الملك الحسين في 1976. هو الذي نهضت في عهده 'واشنطن بوست'، صدورا عن تصوّر حقوقيٍّ لا يُهادن السلطة، وكان يقول إن على الصحافي، ما دام يقول الحقيقة بضمير وإنصاف، ألا يقلق بشأن العواقب. وكان يرى إن عليك توظيف من هم أكثر ذكاءً منك، وتعمل على تطويرهم. كان هذا الرجل وراء سقوط نيكسون، في دعمه وودوارد وبرنستين، وكانا صحافيين شابين. وكان بن برادلي، في ذلك كله، من خارج المؤسسة، فيما رجلٌ أخر من داخلها، اسمه مارك فيلت، نائب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، اتّصف بنزوعٍ انشقاقيٍّ غاضبٍ على ممارسات الرئيس نيكسون ورجاله، فأعطى معلوماتٍ ثمينة لذينك الصحافيين في 'واشنطن بوست' التي سمّته 'الحنجرة العميقة'.. أُنجز عنه في 2017 فيلم من إخراج بيتر لاندسمان، وبطولة ليام نيسون، جيدٌ ومملٌّ معا..
تُرى، هل ينقص الصحافة الأميركية بن برادلي، ومعينٌ لها من قماشة مارك فيلت، لإراحتنا من ترامب؟ مشاركة

نيسان ـ نشر في 2018-01-28 الساعة 15:03


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً