
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم تقني بعيد المنال، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التعليمية الحديثة، تماماً مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والمكتبات. فقد عملت عمالقة التكنولوجيا جاهدة لترسيخ هذه الحقيقة، حيث بذلت طاقات هائلة لتعزيز علاقة متشابكة بعمق بين المتعلمين الصغار والذكاء الاصطناعي. وخلال الشهر الماضي، كشفت كل من OpenAI وجوجل وAnthropic عن إصدارات جديدة من نماذجها مصممة للتعلم والدراسة، والتي يتم تسويقها كمعلمين خصوصيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي متاحين للجميع.
وقد قامت “جوجل للتعليم”، وهي الذراع التقني التعليمي للشركة، بتحول جذري نحو تبني الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تقديم خطط Google AI Pro مجاناً لطلاب الجامعات في جميع أنحاء العالم، وهي خطوة حذت حذوها كل من مايكروسوفت وOpenAI. كما تم عقد تحالفات واتفاقيات مع جهات تعليمية كبرى ستشهد دمج تقنيات ومبادئ الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق في البيئات المدرسية.
منصة “Teachmate 2.0”: جيل جديد من أدوات الذكاء الاصطناعي للمدارس
في خضم هذا التطور، أعلنت منصة “Teachmate” التعليمية، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي ويستخدمها المعلمون وقادة المدارس، عن الإطلاق الوشيك لإصدارها الجديد “Teachmate 2.0”. وصفت الشركة هذا التحديث بأنه “إعادة بناء شاملة من الألف إلى الياء”، استغرق تطويره 12 شهراً.
وفي منشور على منصة “LinkedIn”، ذكرت “Teachmate”: “بعد 12 شهراً من العمل، نحن متحمسون جداً للإعلان عن قرب إطلاق Teachmate 2.0. هذا ليس مجرد تحديث عادي، بل هو إعادة بناء كاملة من الصفر. إنه عصر جديد كلياً للذكاء الاصطناعي في التعليم”.
سيشمل الإصدار الجديد أكثر من 150 أداة ذكاء اصطناعي تم إعادة تصميمها لتحسين التخصيص، بالإضافة إلى “مجموعة أدوات للقيادة” (Leadership Suite) مصممة خصيصاً للإدارة المدرسية، ووظيفة “الدردشة المفتوحة” (Open Chat) التي تسمح برفع المستندات والبحث عبر الإنترنت من خلال نموذج ذكاء اصطناعي متوافق مع المناهج الدراسية. كما تم تجهيز المنصة لتكون جاهزة للاستخدام على مستوى المؤسسات الكبيرة، مع ميزات تهدف إلى التوسع والاستخدام الآمن عبر المدارس والهيئات التعليمية. وأضافت الشركة: “نفس البساطة التي تعرفونها وتحبونها، ولكن الآن بقوة أكبر وإمكانيات أوسع وتأثير أعظم من أي وقت مضى”.
جوائز الابتكار في تكنولوجيا التعليم تكرم التميز العالمي
ولتشجيع هذا الزخم من الابتكار، تم فتح باب التقديم لـ”جوائز الابتكار من مركز تكنولوجيا التعليم” (ETIH Innovation Awards) لعام 2026. تحتفي هذه الجوائز بالتميز في تكنولوجيا التعليم العالمية، مع تركيز خاص على تطوير القوى العاملة، ودمج الذكاء الاصطناعي، والحلول التعليمية المبتكرة في جميع مراحل التعليم.
تُكرّم الجوائز الشركات والمنصات والأفراد الذين يقودون التحول في هذا القطاع، بدءاً من أدوات التقييم القائمة على الذكاء الاصطناعي وأنظمة التعلم المخصصة، وصولاً إلى حلول تحسين المهارات والمنصات الرقمية التي تربط المتعلمين بنتائج واقعية. باب التقديم مفتوح للمؤسسات في جميع أنحاء المملكة المتحدة والأمريكتين وعلى الصعيد الدولي، ويجب على المشاركات أن تسلط الضوء على تأثير قابل للقياس، سواء في الفصول الدراسية من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، أو في مؤسسات التعليم العالي، أو في بيئات التعلم مدى الحياة.
سيتم الإعلان عن الفائزين في 14 يناير 2026 كجزء من عرض تقديمي عبر الإنترنت يضم تعليقات الخبراء حول الاتجاهات الناشئة والابتكارات البارزة. كما سيتم عرض جميع الفائزين والمرشحين النهائيين في المجلة المطبوعة الأولى للمركز، والتي ستوزع في معرض BETT 2026.
هل تعمل هذه الأدوات حقًا؟ صحفية تقنية تضعها تحت الاختبار
لكن مع كل هذا الزخم، يبقى السؤال الأهم: هل هذه الأدوات التعليمية فعالة حقاً؟ قررت صحفية تقنية متابعة لهذا التحول أن تسترجع روح الطالبة بداخلها وتختبر أحدث جيل من روبوتات التدريس المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
توضح الصحفية منهجيتها قائلة: “لقد استخرجت أسئلة مباشرة من امتحانات “New York Regents Exam” ومعايير “New York State Common Core”، وامتحانات القبول المتقدم (AP) لعام 2024 من “College Board”، بالإضافة إلى مناهج العلوم الاجتماعية من برنامج “التعلم من أجل العدالة” المجاني التابع لمركز قانون الحاجة الجنوبي (SPLC)”.
وبدلاً من الاكتفاء بالمسائل الرياضية أو مهارات البرمجة التي تستخدمها معظم شركات الذكاء الاصطناعي للترويج لروبوتاتها، أدرجت الصحفية أسئلة متعددة في العلوم الإنسانية — ما يسمى بالعلوم “الناعمة”. فهذه المواد، مثل فهم القراءة، وتاريخ الفن، والدراسات الاجتماعية والثقافية، أثبتت أنها ساحة معركة بين مؤيدي الذكاء الاصطناعي ومنتقديه.
وقامت الصحفية بصياغة سؤال مقالي باستخدام مفاهيم أساسية من برنامج “التعلم من أجل العدالة” — وهي وحدة تحلل كتاب “لون القانون” لريتشارد روثستين، الذي يركز على التمييز المنهجي — لاختبار كيفية استجابة المعلمين الافتراضيين للهجوم الذي تشنه الإدارة الرئاسية على ما يسمى بـ “الذكاء الاصطناعي الواعي” (Woke AI). وكانت النتيجة الأولية مفاجئة: “اعتماداً على منطقتك التعليمية، قد يعلمك روبوت الدردشة تاريخاً أكثر وعياً بالقضايا الاجتماعية مما قد يفعله معلمك البشري”. وهذا يفتح الباب واسعاً للنقاش حول قدرة هذه الأدوات على التعامل مع المواضيع المعقدة والجدلية.