في وقت تتجه فيه أنظار العالم نحو ترتيب أوراق النسخة المقبلة من كأس العالم، عادت قارة أمريكا الجنوبية لتتصدر المشهد الكروي بحدث تاريخي، حيث أعلنت أربع دول لاتينية هي الأوروغواي والأرجنتين وتشيلي والباراغواي، رسمياً يوم الثلاثاء، عن ترشيحها المشترك لتنظيم “العرس العالمي” لعام 2030. ويأتي هذا الإعلان من قلب ملعب “سنتيناريو” الشهير في مونتيفيديو، الشاهد على أول نهائي في تاريخ البطولة عام 1930، في دلالة رمزية قوية تهدف لإعادة البطولة إلى مهدها الأول.
العودة إلى الجذور
التحرك الجنوب أمريكي لا يستند فقط إلى البنية التحتية، بل يعزف بذكاء على وتر التاريخ والعاطفة. ففي تمام الساعة 16:30 بتوقيت غرينيتش، سيكون العالم على موعد مع الإعلان الرسمي لملف يرفع شعار “الذكرى المئوية”. وكما صرح وزير الرياضة الأوروغوياني سيباستيان باوسا، فإن التركيز ينصب بالكامل على الاحتفال بمرور 100 عام على انطلاق البطولة، واصفاً الأمر بأنه “عودة إلى الأسطورة والجذور”.
ومن جانبه، عزز أليخاندرو دومينغيس، رئيس اتحاد أمريكا الجنوبية “كونميبول”، هذا التوجه بتصريحات نقلتها وكالات الأنباء، مؤكداً أنه في ظل الاحتفال بهذه الذكرى الاستثنائية، يجب أن يعود كأس العالم إلى موطنه الأصلي. وتطمح الدول الأربع ليس فقط لاستضافة البطولة، بل لإقامة المباراة النهائية على نفس العشب الذي شهد تتويج الأوروغواي باللقب الأول، في خطوة تسعى لاستحضار عبق التاريخ الكروي.
تحديات ومنافسة شرسة
هذا الملف الرباعي، الذي يعد سابقة تاريخية من حيث عدد الدول المشتركة في التنظيم، لن يكون في طريق مفتوح؛ إذ سيصطدم بمنافسة قوية من الملف المشترك لإسبانيا والبرتغال الذي طُرح في يونيو 2021. ورغم انسحاب بريطانيا وإيرلندا من السباق للتركيز على يورو 2028، إلا أن المعركة على استضافة مونديال 2030 تبدو محتدمة. وتأتي هذه التطورات في ظل تغييرات جذرية شهدتها البطولة، فبينما لُعبت نسخة 1930 بمشاركة 13 منتخباً فقط وفي مدينة واحدة، تستعد الدول الأربع لاستقبال 48 منتخباً وتوزيع المباريات على 15 ملعباً، في تحدٍ لوجستي ضخم يعقب تنظيم القارة لنسخ سابقة في البرازيل وتشيلي والأرجنتين.
ملامح مونديال 2026 تكتمل
وبينما يتم التخطيط للمستقبل البعيد، كانت ملاعب العالم تغلي خلال الساعات الماضية لحسم مقاعد مونديال 2026 المقرر في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. الصورة باتت أكثر وضوحاً بعد ليلة درامية أسفرت عن تأهل 42 منتخباً من أصل 48، وسط مشاعر متباينة بين الفرح الهستيري والصدمة القاسية.
في القارة الأوروبية، التحقت النمسا واسكتلندا بركب المتأهلين الذي يضم عمالقة مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا. وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي، حققت “كوراساو” إنجازاً لافتاً بكونها أصغر دولة تحجز مقعداً في النهائيات، مرافقةً بنما وهايتي. أما في آسيا، فقد أنعش المنتخب العراقي آماله بـ”قبلة الحياة” عبر ركلة جزاء في الدقيقة 17 من الوقت بدل الضائع، ليضمن مكاناً في الملحق العالمي المقرر في مارس المقبل، إلى جانب منتخبات مثل بوليفيا وجامايكا والكونغو الديمقراطية.
ليلة “هامبدن بارك” المجنونة
الحدث الأبرز في ليلة التصفيات كان بلا شك في غلاسكو، حيث عاشت الجماهير الاسكتلندية سيناريو لا يتكرر كثيراً أمام الدنمارك. المباراة التي كانت تتجه للتعادل 2-2، وهو ما كان سيكفي الدنمارك للتأهل كمتصدر للمجموعة الثالثة، انقلبت رأساً على عقب في الدقائق القاتلة.
كيران تيرني أطلق قذيفة مقوسة رائعة في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع ليشعل المدرجات، قبل أن يضيف كيني ماكلين الهدف الرابع بطريقة سينمائية في الدقيقة 98، مستغلاً تقدم الحارس الدنماركي كاسبر شمايكل، لينهي اللقاء بنتيجة 4-2 ويخطف بطاقة التأهل المباشر.
القائد أندي روبرتسون لخص المشهد واصفاً إياها بـ”واحدة من أكثر المباريات جنوناً”، مؤكداً أن الروح القتالية للفريق هي التي صنعت الفارق. ورغم أن الدنمارك كانت الطرف الأفضل فنياً في أغلب فترات اللقاء، إلا أن كرة القدم عاقبتهم في اللحظات الأخيرة، ليجدوا أنفسهم مضطرين لخوض غمار الملحق الصعب، بينما ضمنت اسكتلندا عودتها للمونديال لأول مرة منذ عام 1998.